25 فبراير 2011

الجيش وسيناريو الفوضى

في غرفة العمليات لا يمكن لأي جراح مجنون أن يتوقف عن استخدام المشرط خوفاً من جرح المريض ، وهكذا في الثورات التي هي بمثابة عملية جراحية كبرى يتمخض عنها إنقاذ حياة الأمة المريضة بنجاح ثورتها أو موتها مع ثورتها . نحن اليوم في موقف لا يمكن معه التورية والتعمية أو الطبطبة على أي جهة مهما كانت كما نرى ونسمع ونقرأ كل لحظة في وسائل الإعلام المختلفة ، فلابد من ذكر الحقائق مجردة والقول للأعور في عينه أنه أعور دونما أي مجاملة أو مواربة تؤدي بلا شك إلى نتائج كارثية.

لابد من مواجهة الحقائق كما هي مجردة من أي هوى أو عاطفة جياشة نحو جيش حبيب على قلوبنا جميعاً بتضحياته ودماء شهدائه ، فمؤسستنا العسكرية نجلها جميعاً لأنها وطنية تتصدر الدفاع الحقيقي عن تراب الوطن بالروح والدم على الجبهة وهو أمر لا جدال فيه ولا مساس به مطلقاً ، لكن عندما تتصدر هذه المؤسسة الحبيبة على قلوبنا جميعاً جبهة أخرى داخلية لتعمل بالسياسة تفقد فوراً قدسيتها العسكرية ومناعتها أو حصانتها ضد النقد.

منذ الحادي عشر من فبراير حين تسلمت المؤسسة العسكرية المصرية مسئولية البلاد السياسية كان لابد لها أن تعي تماماً أن غطاء السرية وحرمة النقد قد أزيح من فوقها ولابد أن تدرك الواقع الجديد من حولها كونها دخلت معتركاً جديداً مغايراً تماماً لطبيعتها الأولى من السرية وحرمة النقد في وسائل الإعلام ، وتدرك أيضا أنها مسئولة عن كشف الحقائق للناس أصحاب الثورة الحقيقيون والشرعية الوحيدة في البلاد حالياً.

لكن ما يحدث من المؤسسة العسكرية أنها لم تدرك هذا التغير الجوهري في طبيعة دورها السياسي المغاير للدور العسكري السابق فتقوقعت حول نفسها وأخذت تدرس المرحلة الحالية بسريتها المعهودة من خلال منابع النظام الساقط وعيونه وربما تقاريره القديمة عن الإصلاح الديموقراطي وهو ما جعل كل قراراتها تأتي مغايرة لطموحات الشعب صاحب الثورة والشرعية الحقيقية على أرض الواقع ، وليس أدل على ذلك من قيامها باستكمال خطوات النظام السابق في التغيير الشكلي الذي لا يلبي الحد الأدنى من أهداف الثورة التي لم تعترف بها المؤسسة العسكرية في أي من بياناتها وقراراتها حتى اللحظة متجنبة ذكر هذه المفردة واستبدالها دوماً بعبارة مطالب الشعب المشروعة.

إذن نحن أمام إشكالية كبيرة تتمثل في المؤسسة العسكرية ذاتها التي لم تعترف بداية بالثورة التي لو اعترفت بها صراحة لفقدت على الفور ما لديها من تفويض باطل من رئيس مخلوع ليس له الحق في التفويض من الأساس لأنه فقد شرعيته في الشارع والشرعية الوحيدة اليوم هي شرعية الثورة. وقد ثقت الثورة في المؤسسة العسكرية منذ البداية لكنها صدمتنا ومازالت تمارس نفس طريقة النظام المخلوع في التغيير البطيء غير المجدي وهي هنا تمارس ابتزازاً سياسياً غير مقبول لشعب أحبها واحترمها وأثنى على دورها ، بل وترك ثورته الوليدة بين يديها ، فأساءت المؤسسة العسكرية استخدام هذا الحب الشعبي لها بعد أن تنكرت للوليد الجديد فلم تسمه أصلاً وكأنه غير موجود وأخذت تفرض على الشعب رؤيتها القاصرة المبنية على تصورات بالية موروثة من النظام السابق عبر تعديلات دستورية خرقاء لن تصل بالبلاد إلى شيء رغم قبولنا بها كمرحلة انتقالية . لكن إصرارها على استمرار النظام السابق بكل فساده في صدارة الحكم هو عين الابتزاز لمشاعر الشعب نحو جيشه وهنا الكارثة.

عندما تقف لرصد إنجازات الثورة فلن تجد سوى تغيير محل إقامة الرئيس المخلوع مبارك من القاهرة إلى شرم الشيخ ، حتى كلمة مخلوع هذه بتنا نشك فيها إلى حد بعيد ، فهل هذا التغيير الطفيف في جسد النظام الفاسد كان يستحق كل تلك الدماء التي أريقت ومئات الشهداء وآلاف الجرحى ؟ فالنظام باقِ كما هو لم يتغير في الوزارات مهما جملوها وزخرفوها ولا في المحافظات التي يسيطر عليها أعضاء لجنة سياسات المحروس جمال مبارك والمحليات المليئة بعصابات الفساد الشامل على طول البلاد وعرضها ، وما حفنة رجال الأعمال والوزراء السابقون الذين سربوا إلينا صور حبسهم إلا كباش فداء لامتصاص غضب الشارع ربما لفترة بسيطة كما نستشعر من أوامر الإحالة التي صدرت بحقهم في قضايا تافهة سيخرجون منها كالشعرة من العجين خلال بضعة أشهر.

لقد استغلت المؤسسة العسكرية ثقة وحب الشعب المصري وإكباره لها لتمرير سيناريو النظام نفسه الذي اقترحه من قبل في خطابات مبارك الثلاثة التي تلت جمعة الغضب والرحيل ثم الصمود. وتؤكد لنا المؤسسة العسكرية في كل يوم أنها على عهد مبارك باقية وتقسم أنها ستنفذ للشعب مطالبه المشروعة (بدون ذكر كلمة ثورة) ولكن من خلال رؤية ونظرية وفكر مبارك نفسه في التغيير عبر تغيير وجوه الحزب الوطني وكأن المشكلة هي في الوجوه والأشخاص وليس النظام ، وهنا يبدو من خلف الصورة أصابع أمريكية تعد وتهدد وتأمر بصيغة النصح والمشورة بضرورة الإنتقال السلمي للسلطة من مبارك الأول طراز 1981 إلى مبارك الثاني طراز 2011 الذي يخيل للشعب أنه اختاره وسحرة فرعون في وسائل الإعلام حاضرون وجاهزون لتلميع أي مبارك ثاني ليبدو أنه قائد التغيير والإصلاح وعلى الزيرو .. واشرب يا شعب مصر دم شهدائك في صحة أمريكا.

بقاء ذلك النظام البغيض ممثلاً بحكومة رموز الفساد القديم المتجدد ومحافظون فاسدون من أقطاب الحزب الوطني يقبضون هم والمحليات على كافة المفاتيح في القرى والنجوع وقصر الفترة الإنتقالية على ستة أشهر فقط سيؤدي حتماً إلى انتخاب مجلس شعب عشائري مصالحي انتهازي معدل من مجلس 2005 يسيطر عليه أعضاء الحزب الوطني الفاسد بالمال الحرام والبلطجة وحفنة من الإخوان الأكثر تنظيماً وحدهم على الساحة ، ولن يستطيع أحد لوم صناديق حرة نزيهة أتت بهم إلى المجلس أمام العالم . وأما الرئيس فلا أستبعد أن يتولى سحرة فرعون في الإعلام الحكومي والخاص في الأيام القادمة تلميع أحد القردة القادرين على القفز من موقع لآخر ليصبح بين عشية وضحاها رئيساً لجمهورية مصر العربية عبر صناديق الاقتراع الحر أيضاً في دولة نصفها أمي لا يعرف القراءة والنصف الآخر تصعب عليه القراءة وسط ضجيج سحرة فرعون الإعلمي.

ماذا يضير المجلس العسكري الموقر أن يقوم بتشكيل مجلس رئاسي من رجل عسكري وبعض المدنيين من حكماء البلد وهم كثر ؟ ما يضير المجلس العسكري الموقر أن يقوم بتشكيل حكومة مستقلة من التكنوقراط لقيادة المرحلة الإنتقالية ؟ ماذا يضير المجلس العسكري الموقر أن تمتد الفترة الإنتقالية إلى عام بدلاً من ستة أشهر لكي يكون هناك فرصة أمام الناس كي تشكل أحزاب وتمارس تظاهراتها تحت قبة البرلمان بدلاً من ميدان التحرير ؟ هل هو طامع في الحكم ؟ لقد قالوها وأكدوا عليها بأنهم لا يريدون حكم البلاد وهم صادقون في هذا فقد ولى زمن حكم العسكر بلا رجعة في العالم كله ولا يوجد له أثر حتى في غياهب جزر أفريقيا الداخلية ، إذن هم يريدون إعادة استنساخ النظام البائد في حلة جديدة بعد تقشيره وتلميعه بورنيش ديموقراطي صناعة أمريكية .

تعتقد المؤسسة العسكرية أن هذا هو عين الحكمة من وجهة نظرها كونه يحافظ على الاستقرار الذي تعودوا عليه فلا تهتز علاقات مصر الخارجية ولا ينزعج البيت الأبيض الذي يبحث عن فرصة لترتيب أوراقه وتصنيع أكثر من مبارك جديد للمرحلة المقبلة ، ولكنا نرى أن تلك الطريقة غير الحكيمة من المؤسسة العسكرية في إدارة الأزمة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والانحدار إلى الأسوأ لأن عقلاء هذا البلد وشبابه لن يرضى بتلك الترضيات البائسة التي تحاول جاهدة الإبقاء على نفس قالب النظام القديم مع تغيير بعض الحشو بداخله لأن الثورة التي قام بها الشعب ودفع من دماء أبنائه ثمناً غالياً لها لن يسكت على خنقها بتلك الصورة المهينة . ورغبة المؤسسة العسكرية الواضحة في اسبعاد مشرط الجراح في غرفة العمليات هو عين الجنون.

ليسمح لنا إخواننا وأهلنا في المؤسسة العسكرية الذين لا يحتاجون منا دليلاً على حبهم وتقديرهم على الجبهة أن نحاورهم بوضوح في السياسة فنقول لهم أن ما تمارسونه اليوم هو عين الجنون فخشيتكم من مشرط الجراح سيؤدي إلى الموت ، لولا هذا المشرط ما شفيت الأمم قبلنا من سرطانات متجزرة في أحشائها . قتل الثورة بهذه الطريقة هو قتل لمصر التي أقسمتم على حمايتها بأرواحكم ، وها هي فرصتكم للزود عنها في جبهة أخرى غير سيناء ، فهل فيكم رجل رشيد .. سياسياً ؟ يفهم ويعي ما هي مقتضيات الثورة ويعمل على تحقيقها فوراً بلا تأخير قد يؤدي إلى الفواق من المخدر الثوري وساعتها ستكون آلام المشرط مبرحة .. بشعة .. لا تطاق .. مصحوبة بصدمات عصبية أشد وطأة وخطورة من آلام المرض الأساسي .. وتستعصي على العلاج حين تدركون خطيئتكم متأخيرن .


الخطوات العملية:
أولاً:
تشكيل مجلس رئاسي فوراً من مدنيين وفرد عسكري.
ثانياً:
تشكيل حكومة انتقالية مستقلة من التكنوقراط غير المنتمين لأي تيار ، والحذر من الصيغ الإتلافية فلا أحزاب كي تأتلف أو تختلف فالموجود حالياً هو مجرد بقالات سياسية قميئة لا أثر ولا وجود لها في الشارع.

سيحمل هذا المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة عبء إدارة البلاد كاملاً عن كاهل المؤسسة العسكرية بالإضافة إلى العبء الأكبر الخاص بالمرحلة الإنتقالية برمتها وما تحمله من إشكاليات دستورية وقانونية هائلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغوص أو لنقل يتورط فيها الجيش حتى أذنيه فينشغل عن مهمته الأساسية على الحدود الملتهبة في الجهات الأربع لأن في ذلك انتحاراً لمصر يا حكماء مصر .. والله الموضوع لا يحتاج إلى حكمة حكيم بقد ما يحتاج إلى قليل من القكر .. وكثير من الإخلاص.

هناك تعليقان (2):

مذكرات حاحا مصر يقول...

كلامك كالعادة صحيح بس لو سمحت لي تعليق انت نسيت جزور الفساد اللى بتحرك كل المشاكل اللى في مصر طبعا علي راسهم صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور وهتلاقي كل حاجة هتظبط وطبعا مننساش احمد شفيق ووزير الداخلية اللى خربها الان من الناحية الامنية ودهه عن قصد لافساد الثورة وعلى فكرة انا كتبت من كام يوم بس يبدو انك مش متابع بس ربنا يستر وان شاء الله هننجح لاني متفئل كتير لان على الاقل راس الحية وقع وباقي بيقة الجسد ودهه برده مهم لانه لا يقل خطورة عن الراس ودعواتك..

IBN BAHYA - إبــن بهيـــــــــــــة يقول...

مذكرات حاحا مصر
ربنا يخليك ويحفظك يا أستاذنا

الأشخاص الذين ذكرتهم طبيعي أنهم ضمن النظام الفاسد البائد

الثورة للأسف تسرق من قبل الجيش وقياداته الفاسدة بمؤامرة مع النظام لكي تضيع بلاويهم وفسادهم فالجميع فاسدون

مش ممكن يكون قادة الجيش شرفاء على مدى 30 سنة فساد .. طبعا متمرغين في الفساد إلا من رحم ربي وهؤلاء القلة المندسة من الشرفاء في الجيش مع الضباط الصغار يريدون منا نحن الشعب أن نتحرك


لابد من استمرار الثورة بكامل زخمها لتحقيق الأهداف وليس الطلبات

أهداف الثورة

مجلس رئاسي مستقل لمدة سنتين
حكومة انتقالية لمدة سنتين

لازم سنيتن .. الناس للأسف فرحب بحدوتة ست شهور دي وكأن الجيش كتر خيره زاهد في الحكم ..

يا ناس اللعبة قذرة جدا

ست شهور فقط في ظل حكومة واطية ومحافظين كلاب فاسدين ومحليات كلها تتبع الحزن الواطي وماسكه البلد

هذا معناه ببساطة

مجلس شعب مكون من الحزن الواطي وشوية إخوان

هل هم دول اللي نأتمنهم على عمل دستور جديد ؟؟؟؟؟؟؟


حرام علينا والله دم الشهداء يروح بلاش