03 مارس 2011

ســحـرة فـــرعــــــون


بدأت وسوف تتعالى أكثر في الأيام القادمة أصوات سحرة فرعون الإعلاميون مطبلة لإنجازات ثورة الشباب (ومش عارف ليه الشباب بس مش الشعب المصري كله؟!) التي غيرت الدنيا وحققت المعجزات و (جابت الديب من ديله) أو نقلته من القاهرة إلى شرم الشيخ ووو إلخ .. لكي يفرح الشباب ويعيشوا نشوة انتصار مزعوم يتلهون به عن جوهر القضية الأساسي وهو تغيير النظام لنقل مصر من عهد بائس ويائس إلى العدل والحرية والديموقراطية. كل قطرات المهديء اليومية من التحفظ على فلان ومنع علان وسجن ترتان سيتولى سحرة فرعون تضخيمها إعلامياً لتبدو هي الإنجاز الأكبر والبديل عن القضية الاساسية وغاية المراد من رب العباد.

لقد بدأت حناجر سحرة فرعون تصدح بعبارات كتب القراءة الرشيدة .. دقت ساعة العمل .. واللي يحب مصر يشرب اللبن قبل النوم ويبطل مظاهرات .. ويغسل إيديه قبل الأكل ويبطل مظاهرات .. دعونا نبني مصر .. مش عارف إيه في حب مصر .. سعياً من الكيان الهلامي للثورة المضادة إلى إطفاء الثورة حتى يخفت صوت المظاهرات من جمعة إلى جمعة وتتوقف الاعتصامات ، وتلجم الاحتجاجات الفئوية بواسطة أذناب النظام المتربعين على رأس كل مؤسسة في البلاد .. وتعود ريمة إلى عادتها القديمة .. ولكن هيهات . ساعة العمل لم تدق بعد ولم يتحقق شيء من أهداف الثورة غير تغيير محل إقامة الرئيس المخلوع .

ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة لوجدنا أن ما يفقده الاقتصاد المصري في كل يوم أثناء المظاهرات أقل بكثير جداً من الفاقد في أيام العمل العادية مع الفساد . تفقد مصر حوالي ثمانمائة مليون دولار يومياً بسبب الفساد وفق ما أعلنته منظمة الشفافية قبل أيام ، إذن المظاهرات تعتبر أربح لمصر حسابياً حيث توقف معها نزيف الفساد وهو رد مقحم لكل من يدعي أن المظاهرات تؤثر سلباً على الاقتصاد. حتى وإن أثرت سلباً لفترة قصيرة فتلك الخسائر لا يمكن أن تقارن أبداً بحجم المكاسب الهائلة التي سيجنيها الاقتصاد المصري حين يعمل بشفافية في ظل حكم ديموقراطي حقيقي (مش نص كم) كما يريدون لها . وهي مكاسب ستنعكس بشكل مباشر على المواطن لأن النظم الديموقراطية تجذب رأس المال النظيف الذي ينمي ويفيد البلاد والعباد ، أما النظم السلطوية الفاسدة كنظام مبارك البائد فلا تجذب إلا رأس المال القذر الذي يبحث عن بيئة فاسدة لكي ينتعش فيها وينهب مع الناهبين في أراضي الدولة ومنشآتها وترتفع معدلات النمو الاقتصادي بلا معنى ولا أي أثر على المواطن كما كان يحدث في السنوات الماضية.

نرى أن هذا التشويش من سحرة فرعون يسير بالتوازي مع طنين من نوع آخر يهدف إلى إعادة جهاز الشرطة المجرم إلى العمل بغير أي حساب على دم مئات الشهداء وآلاف الجرحى في دعارة إعلامية غير مسبوقة تساوي بين شهداء الحرية وقتلى الشرطة المجرمين كما تفعل إحدى القنوات الفضائية ببث صور قتلى الشرطة بلا أي وعي أو حس إعلامي ببشاعة الجرم الذي ترتكبه تلك القناة بحق المجتمع من تأجيج روح الثأر لدى الشعب تجاه الشرطة بدلاً من تهدئته ، فطالما هذا القاتل تعتبرونه شهيداً فسيأخذ الشعب حقه بيديه من الشرطة المجرمة وتعم الفوضى.

فشهيد الثورة خرج أعزلاً من بيته لا يحمل إلا صوته سلاحاً صارخاً في وجه الظلم والطغيان ومعلناً في الوقت نفسه أنها سلمية .. سلمية .. ملوحاً بيدين مرفوعتين بالسلام وصدر عارِ .. فيفاجأ برجال الشرطة المجرمة يرمونه بالرصاص الحي في مقتل . وأما صريع الداخلية القاتل المحمل بشتى أنواع الأسلحة ومنها المحرم دولياً ليواجه متظاهر أعزل يصرخ في وجهه متوسلاً سلمية سلمية والله العظيم سلمية .. ولم يعبأ بصراخ بني وطنه فقتل منهم ما استطاع .. وهرب رعباً من هول ما اقترفت يداه من جرم ودم أو هرب خيانة للوطن وتخلياً عن الواجب .. وعند هروبه فاجأه القدر بديون قديمة عليه سدادها لمساكين أو بلطجية عذبهم في الأقسام وقطع من أجسادهم وداس كرامتهم ووجدوا فرصتهم في الثأر منه لأن العين بالعين والبادئ أظلم.


هل يستويان ؟ كيف يستوي شهيد الحرية مع قتيل أفعاله الشقية المجرمة ؟ كيف نقول عن الإثنين شهداء وتقام البرامج الحوارية المليقة والمعازي التليفزيونية والصحفية في دعارة إعلامية مقيتة وفجة ووقحة تماماً كصاحبات الهوى اللائي لا يخجلن أبداً من أفعالهم ، بل ربما يرمين الشريفات أحياناً .. لقد انعدم الحياء عند هؤلاء فلا يشعرون بهول جرائمهم الإعلامية البشعة .. هنا الكارثة حينما يرى المجتمع أن دم شهدائه قد خلطوه بدم قاتليه من المجرمين.


إن تلك الجرائم الإعلامية في التضليل وخلط دم الشهداء الطاهر بدماء القتلة والسفاحين من الشرطة وإطلاق كلمة شهيد عليهم هو نوع من خلط الأوراق الخسيس لتلميع صورة جهاز شرطة قذر وفاسد بل سفاح آن له أن يحاسب على جرائمه كلها بداية من جرائم الدم والقتل والجمال والبغال وانتهاء ببث الفوضى وإطلاق السجناء التي يعاقب عليها القانون بالإعدام لأنها من جرائم الخيانة العظمى للوطن . تشارك تلك الأبواق الإعلامية الغبية أو المتغابية في تلك الجريمة بدعاوى واهية من قبيل عودة الأمن إلى الشارع سريعاً وهي كلمة حق أريد بها باطل ، فلا أمن بلا عدل ولا عدل بلا عقاب رادع للقتلة والسفاحين من الشرطة والسياسيين والإعلاميين الذين شاركوا ومازالوا بفعالية في تخريب الوطن.


إن أي بداية صحية ومتزنة يجب أن تبنى على حصول كل ذي حق على حقه المعنوي قبل المادي وليس استكمالاً لعلاقة قديمة فظيعة وآثمة ضاعت فيها الحقوق بنفس الطريقة ذاتها في خلط الأوراق وتزوير الحقائق وعلى المتضرر من المصريين أن يبتلع غيظه ويتوسد حنقه وألمه وينام ويحلم من جديد بنسمات العدل والحرية بشهداء جدد ودماء أكثر وأغزر يريقها على مذبح الحرية والعدالة الغائبتين ، ولا ينسى قبل النوم أن يلعن هذا البلد العقيم الذي لا يشبع من دماء أبنائه ويسبه عند اليقظة ويتفنن في تخريب ما تصل إليه يده لكي يشفي بعض غليله .. ولن يشفى.

لقد آن لسحرة فرعون أن يصمتوا ويكفوا عن غيهم الجاهل بدعاوى باطلة عن الاستقرار والأمن المفقود ليتركوا المجال لهذه الثورة الطاهرة أن تحقق أهدافها من تغيير حقيقي في النظام وليس تجميلاً في رأسه الفاسد فقط ويبقى الجسد متجزراً بطول البلاد وعرضها عبر حكومة ومحافظون ومحليات ولدت وترعرعت في بالوعة الفساد. أي بناء جديد لابد أن يقوم على أسس متينة من العدل وليس على جسد نظام عفن استباح مقدرات البلاد والعباد ومازال يهيمن شرقاً وغرباً بلا أي محاسبة حقيقية على جرائمه . ولسوف يستأسد الفساد أكثر وأكثر بعد أن اكتسب من هذه الثورة غير الكاملة خبرات جديدة تمكنه من ابتداع الحيل والأساليب الشيطانية المناسبة لحقبة ما بعد الخامس والعشرين من يناير . وعلى مصر أن تستعد بمئات وربما آلاف الشهداء الجدد لثورة أخرى علها تستطيع التغيير بعيداً عن وصاية المؤسسة العسكرية التي نصبت من نفسها وصياً على شعب قاصر لم يبلغ الرشد بعد في نظرها.

ولسوف يسجل التاريخ لسحرة فرعون بأسطر سوداء قاتمة دورهم البارز في مؤازرة المؤسسة العسكرية وتمكينها من إطفاء ثورة شعب مصر وامتصاص غضبته ضد الفساد والقهر والظلم ، وهو استمرار لدورها السابق في تزيين الفساد والفاسدين على مدى ثلاثين عاماً كئيباً كانوا جميعهم جزءً أصيلاً وفاعلا فيه ومستفيداً منه بكل تأكيد .




http://www.facebook.com/photo.php?fbid=197579853600181&set=a.197441410280692.48450.197440426947457&ref=nf#!/ibnbahya?sk=notes

ليست هناك تعليقات: