18 مارس 2011

نيــوتــــن في ميـدان التحــريــــر

لكل فعل رد فعل مساوِ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ، عبارة جميلة يرددها الكثيرون في مناسبات عدة دون معرفة ربما بقائلها الذي يعتبر واحداً من أهم العلماء في العالم وهو اسحق نيوتن (1642م - 1727م ، صاحب التفاحة الشهيرة التي أوحت له بقانون الجاذبية) ليس في الفيزياء فحسب بل الرياضيات والفلك والفلسفة وغيرها فالعلوم كلها جداول تصب في مجرى كوني واحد. هذه العبارة هي القانون الثالث لنيوتن الذي صاغ ثلاثة قوانين للحركة وقوانينه ونظرياته مازالت تمثل حجر الزاوية في كافة العلوم الحديثة لما تتمتع به من ديمومة لارتباطها أو لنقل تفسيرها لظواهر كونية ثابتة.

المتأمل في الكون من حولنا سيلاحظ بسهولة هذه الحقيقة التي فسرها نيوتن في كلمات بسيطة (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه) ، وبكلمات بسيطة أيضاً نستطيع القول أن أي فعل لا يكون فعلاً إلا إذا حدث ووقع وهنا لابد أن يقابله رد فعل مساوِ له تماماً ولكنه في الاتجاه المعاكس ، هكذا خلق الله الكون وأوجد فيه نواميسه الكونية التي تنطبق على الذرات والمجرات والحجر والشجر بنفس المعايير مهما اختلفت الأحجام والأشكال. وعندما نتحدث عن فعل البناء لابد أن ندرك يقيناً أن ثمة فعل مضاد من الهدم يحدث كرد فعل طبيعي لما نقوم به من بناء ليس من باب نظرية المؤامرة ولكن من باب التسليم بوجوب تحقق نواميس الكون وسنن الله في خلقه ، ولهذا ظهرت نظريات عديدة لشرح عمليات مقاومة التغيير في المؤسسات والمجتمعات وكيفية التغلب عليها لكي يكتمل البناء .

ففعل البناء من الأجيال الجديدة النقية المتطلعة إلى المستقبل يقابلها بالضرورة والحتمية الكونية والتاريخية فعل الهدم في الجيل القديم المستهلك الفاسد وهو مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه وفق نواميس الكون الإلهية بلا أدنى شك أو ريبة في حدوثها ، بل إن من يشكك في حدوث عمليات الهدم المضادة يكون في أحيان كثيرة جزءاً منها بصورة ما. يخطيء من يظن أن ثورة الخامس والعشرين من يناير ستمضي في طريقها إلى الديموقراطية والحرية والعدالة بلا ثورات مضادة تضع لها العصى تلو الأخرى في العجلات كي تثنيها عن أهدافها بشتى الطرق الممكنة. الحديث عن الثورة المضادة ليس من حسن الفطن كسوء الظن ولكنه حديث عقل وعلم مجرد من أية عواطف هنا أو هناك .. مع أو ضد ، لأن الموضوع في النهاية يخضع كما قلنا لنواميس كونية لا فكاك منها مهما حاولنا.

كما يخطيء أيضاً من يظن أن أباطرة الحزن الوطني وفلول نظام مبارك المخلوع وعصابات الأمن هي فقط أبطال الثورة المضادة لأن كل مستفيد بصورة من الصور في النظام البائد سيتحول إلى معول هدم في بناء ثورة يناير. الموضوع لا يتعلق بأركان نظام فقط يريد أن يعود ويثأر لكرامته التي داسها الشعب بالنعال ولكنه يتعداه إلى مصالح متشابكة وأنماط حياة توقفت وأرزاق قطعت ورقاب يمكن أن تقطع بسيف القصاص لو طالتها يد العدالة والقانون التي كانت مغلولة عنها ردحاً طويلاً من الزمن فعاثت في الأرض فساداً دونما رقيب أو حسيب ، لذا يجب أن ننتبه بعيون مفتوحة وعقول مفكرة واعية لكثير من بؤر الثورة المضادة التي تزيد كثيراً عما يظن الطيبون منا ، ويجب التحرك سريعاً لقطع تلك الأذرع من جذورها وليس من أطرافها الضعيفة الظاهرة .


إن قطع تلك الأذرع الشيطانية لن يتم عبر سن قوانين بطلجة أو تغليظ عقوبات على صبيان هم في الغالب مجموعات من القصر والمشردين ومدمني المخدرات الموجهين بريموتات تقف من بعيد ، فالأولى هو قطع تلك الأيادي التي تحركهم ومصادرة الريموتات من ضباط الداخلية المجرمين الذين شكلوا تلك العصابات الميليشياتية قبل سنوات ، يتم هذا بالتوازي مع تحجيم كامل لكافة القوى الفاسدة الأخرى المتغلغلة في الإعلام والقضاء الذين يشكلون الغطاء الإعلامي والسياسي للتعمية والتمويه على تلك الثورة المضادة ، وفي نفس السياق لابد من تجفيف منابع التمويل من رجال الأعمال المجرمين وأعضاء الحزن الوطني . ليس الأمر معقداً كما يعتقد البعض لأن مسئولي الميليشيات وعصابات البلطجة في وزارة الداخلية معروفون في أفراد أمن الدولة والمباحث العامة ، بل إن أكبر تشكيلاتهم ما يعرف بحبيب عز هو أشهر من نار على علم وأفراده معروفون للجميع سواء كانوا في وزارة الداخلية أو صبيان المتهم المجرم أحمد عز.


إن التهوين من خطر الثورة المضادة خطأ فادح ، وكذلك الثقة المفرطة بقوة ثورة يناير وقدرتها على الصمود في وجه الثورة المضادة خطأ لا يقل فداحة عن سابقه ، وأما من يدعون عدم وجود الثورة المضادة من الأساس فهم جهلاء أو مجرمون بحق هذا الوطن بكل ما تحمله الكلمتان من معنى حتى ولو كان المجلس العسكري ذاته الذي أذاع أكثر من مرة في أكثر من مناسبة أنه لا وجود للثورة المضادة ، فهل نفهم من هذا أن السادة في المجلس العسكري يجهلون الحقيقة التاريخية والواقعية أمام أعينهم ، أم ماذا ؟ ولماذا يصرون على ذلك حتى اليوم ؟ لماذا ولماذا .. وألف لماذا دون جواب مقنع حتى اللحظة. أعضاء المجلس العسكري ليسوا أنبياء أو قديسين منزهين عن الخطأ والزلل ورما الفساد ، فما كنا نعلمه عن الفساد في ذلك العهد البائد كان مجرد نقطة في بحور الفساد التي تم اكتشافها اليوم وهو أمر يدعو إلى الريبة في الجميع دون استثناء.


ليس هناك من سبيل آخر غير تشكيل لجنة تحقيق كبرى مستقلة تحت أي مسمى تتولى بنفسها تطهير وزارة الداخلية وكلاً من الجهاز القضائي والإعلامي في مصر لفك تلك الترابطات والتشكيلات العصابية المبنية على مصالح مليارية بينهم . طبيعي أن يغضب البعض في تلك المؤسسات وهو غضب مقبول لكن استمراره وتعطيله لتشكيل هذه اللجنة لن يكون مبرراً أبداً لأن الشرفاء لا تخيفهم الحقائق بل يجب عليهم أن يكونوا هم جنوداً لها ومدافعين عنها فهي تعمل لتطهير مؤسساتهم من دنس يلطخ سمعة الأجهزة التي ينتمون إليها ولا سيما أن تلك اللجنة ستضم بالطبع بين أعضائها كثير من شرفاء تلك المؤسسات الثلاث (الداخلية ، القضاء والإعلام) بجانب آخرين من رموز العمل العام بكافة صوره . تشكيل مثل هذه اللجنة ليس بدعة مصرية بل هي تقليد لما تم في كافة الدول التي تحولت قبلنا من الفساد والفوضى إلى الديموقراطية ، فعلينا أن نراجع تجارب تلك الدول سواء جنوب أفريقيا أو دول أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية ونعمل سريعاً نحو هذا الهدف المنقذ قبل أن تشتعل البؤر الأخرى للثورة المضادة ونفقد عندها كامل توازننا وتضيع مصر لا قدر الله.


من الطبيعي أن يكون ثلاثي الأضلاع الشيطانية المتمثلة في الحزن الوطني وفلول النظام البائد وأجهزة الأمن هي المتصدرة والقائدة للثورة المضادة حالياً ، لكن يجب ألا نغفل الأطراف الأخرى التي لم تدخل على الخط حتى الآن من منتفعي النظام السابق والعاملون في الظل ممن جعلهم النظام الفاسد مجرمون وهم أكثر بكثير مما نظن. لدينا عدة ملايين في أجهزة الدولة المختلفة يعملون بأجور لا تفي بنفقات التوصيل إلى العمل أو لنقل أنهم يعملون بالمجان تقريباً من باب المرمغة في تراب الميري وبعضهم لديه أعمال أخرى يسترزق منها والبعض الآخر يعتمد في دخله الإضافي أو ربما الأساسي على جيوب المواطنين وهؤلاء بالملايين في دواوين الدولة المختلفة ، فكيف يعيش هؤلاء بعد قيام الثورة ؟ لعل تلك الجريمة الشنعاء بحق الوطن هي أكثر الجرائم التي يجب أن يعاقب عليها مبارك ونظامه لأنهم شوهوا المواطن المصري وجعلوا منه مجرماً بالضرورة ، وهي في رأيي أشد جرائم ذلك النظام قسوة على كثرة جرائمه الأخرى وكلها بشعة .


أما العصابات المنظمة من أعضاء المجالس المحلية الذين يزيدون عن الخمسين ألفاً في ربوع مصر والمحافظين ومساعديهم ودواوينهم الملأى بالفساد حتى النخاع ، فلا يمكن إصلاحها إلا بالحرق والتطهير الكامل بلا لجان أو تحقيقات ويكفيهم ما غنموا طوال تلك السنوات من دماء هذا الشعب الصبور . بغير هذه الخطوات التطهيرية اللازمة والواجبة والعاجلة فلدي خوف كبير على ثورة يناير وما يمكن أن يصيبها من تلك الجموع الهدامة التي تدافع عن مصالحها ورقابها . أما الداعون إلى المصالحة ونبذ الخلاف والفرقة وترك التشفي والإنتقام واستحضار أخلاق المصريين السمحة فهم واحد من اثنين إما مغيبون عن فهم حقائق التاريخ ولوازم الثورات بفعل ركام سنوات طوال من الظلم فقنعوا بما تحقق واعتبروه نصراً مؤزراً ما بعده نصر ، وهؤلاء يجب إيقاظهم من غفوة النشوة بطرد الفاسد الأكبر الرئيس المخلوع ، وإما مجرمون شركاء في الفساد يرتدون مسوح الحملان ولم نر يوماً أن دافعت الحملان عن الذئاب .


الموضوع ليس تشفياً أو انتقاماً على الإطلاق ولكنه حساب ضروري لمن أجرم بحق الوطن ونهبه اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ، وليس هناك عاقل يقبل بالعفو عن المجرمين لأن في ذلك كسر لميزان العدل الذي يدمر كسره أي مجتمع وهو استمرار لذات الحالة من اللامبالاة والسلبية التي كنا نشكو منها قبل ثورة يناير رغم وضوح أسبابها جلية كالشمس في غياب العدل ، فهل قامت الثورة إلا من أجل العدل والمساواة ؟! إن جميع الصور السلبية التي كنا جميعاً نشكو منها في الشارع المصري لم تكن لقيطة ، فالجميع يعلم يقيناً أن أباها نظاماً فاسداً وأمها ميزان العدل المكسور ، ففوضى المرور والقمامة في الشوارع هي بعض صور الاحتجاج اللا إرادي الذي يخرج بعفوية وكأنه عادة وهو في الحقيقة ظاهرة تعبر عن ضعف الإنتماء لوطن لا نملكه لأننا مظلومون فيه ومسلوبة حقوقنا لصالح فئات بعينها من أحباب وأتباع ومريدي النظام الفاسد البائد .


والأهم من ذلك هو حماية للثورة الوليدة .. من طوفان الثورات المضادة ..

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

مين انت اصلا يا ابن بهيه - انا اجزم ان مدونك بدعم صهيونى او امريكى او اى حد مش عاوز الثورة تكمل - بس حتكمل غصب عن عين اى حد ان كان دعمكم من امريكا او اسرائل او اغنياء العالم فنحن معنا الواحد القهار الله جل جلاله فتعتقد من سوف يكسب فى النهاية ؟ ان الله عالم الغيب ذكر فى قرانه - ادخلوا مصر ان شاء الله امنين صدق الله العظيم - هل تستطيع يا ابن بهية مواجهة الخالق - ونحن فى رباط الى يوم الدين - حمى الله مصر من ابنائها الاشرار - انا واثق ان تعليقى مش حيعجبك وممكن تحزفه كمان لأنك لا تمت للديمقراطية بصله يا ابن بهيه

غير معرف يقول...

لو انت راجل يا ابن بهية - نزل تعليقى

غير معرف يقول...

تم حفظ التعليق.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يظهر التعليق على الموقع في العنوان الرسالة الأصلية
-
-
-
انا واثق انه مش حينزل

نادي حواء يقول...

شكرا علي الموضوع